الجمعة، ١١ صفر ١٤٣٠ هـ

عصر جديد وأفاق جديدة

قبل أن نبدأ بالحديث عن عصر النهضة الاوروبية يجدر بنا الحديث قليللا عن شعب من أكثر الشعوب على وجه الارض التي أثرت في رحلة الفلسفة والعلم على على مر العصور ... إنهم الاغريق أو اليونانيين




الفلسفة اليونانية :

لقد انبهر الإنسان في طفولته العقلية بالكون ومظاهره ، ونسب إلى بعض وحداته - كالشمس والقمر والنجوم - صنع ما يتعرض له من الحوادث كالصحة والمرض والموت والمطر والزلازل ، وغير ذلك مما يسعده أويشقيه ، كطلوع الشمس ووجود الأنهار وهطول الامطار وغلة المزارع وجمال الروض وضحكات الأطفال ، ورأى من جانب أخر الزلازل والعواصف والبراكين والأوبئة والكوارث ، فاستنتج من ذلك تعدد الألهة وتضادها ، واعتقد بوجود مجلس يجمعها تقرر فيه مصير الكون ، وصار لليونان في بداية رحلتهم العقلية ما يشبه ذلك .. فاعتقدوا أن للحصاد إلاها وللحب إلاها وللنار إلاها وللخمر إلاها وللجمال إله.

ثم جاء فيما بين القرن السادس والرابع قبل الميلاد سقراط وأفلاطون وأرسطو ومن تلاهم ، فكان ظهورهم ظهورا للعقل التأملي التحليلي الذي ينفد من الظواهر إلى ما وراها ، فانتقد سقراط كثيرا من مسلمات عصره وبين الخطأ فيها وحاول وضع تعريفات تحدد المدركات الكلية المجردة ، مثل العدل والحق والجمال . وكانت تساؤلاته المثيرة ملقية للشك على كل ما كان موثوقأ بصحته عند أبناء عصره . (( من الطرف العجيبة التي سمعتها عن هذا الفيلسوف هى انه اتاه رجل شاب وسأله مارأيك بالزواج وهل أتزوج ، فقال له : تزوج يابني لانه في كلا الحالتين سوف تندم ؟؟؟؟!!!! ))).

وجاء بعده أفلاطون وهو أحد تلامذته فدون ما أخذه عن أستاذه ، وأضاف إلى ذلك أراءه وهي عن الإنسان والكون والحياة ، في المحاورات المشهورة التي رواها على لسان أستاذه ، ووضع نظريته في المثل لتفسير مصدر المعرفة ، ومهد السبيل للبحث عن مم يتكون الكون إلى البحث عن كيفيته ، فأخذ بالقول بالعناصر الأربعة (( المادة تتكون من التراب والهواء والماء والنار )) ، وتصور وجود أفلاك ثمانية على شكل كرات بلورية متحركة ومحركة ، يحرك الأعلى منها الأسفل ، وتنتهي بفلك خارجي هو مصدر الحركة ، وقال بقدم العالم ، وبكروية الأرض وثباتها ومركزيتها للكون ، وأن الأفلاك تدور حولها كما قال بخلود النفس واستقلالها عن الجسد.

ثم جاء بعده تلميذه أرسطو فخالفه فيما رآه عن الإنسان ، ورفض نظرية المثل والقول بانفصال النفس عن الجسد ، ووافقه فيما رأه عن الكون ، وقال بأن الاجسام تسقط نحو الارض بتسارعات مختلفة ، وجاء كتابه عن الطبيعة موافقأ لاستاذه في مفاهيمه ، وزاد عليه أراءه عن الزمان والمكان والحركة . (( الكثير من الفلاسفة ينظرون الى فلسفة أرسطو على انها فلسفة أفلاطونية محدثة)) (( ولقد تأثر بفلسفة أرسطو العديد من روادنا الافاضل بإعتباره عراب الفلسفة العربية بداية بالكندي والفارابي وابن سيناء واكثرهم تأثرا الاندلسي إبن رشد عراب الفلسفة الاوروبية والشارح الاكبر لارسطو بالنسبة للاروربيين وإليه ينسب الفلاسفة (الرشديين) )).

ولاننسى العديد من الاغريق الذين قالو وتبنو العديد من الافكار السائدة لقرون عديدة كديموقريطيوس الذي قال أن المادة تتكون من ذرات لاتتجزأ أبدا (( على الرغم من أن أفلاطون وتلميذه أرسطو يرون انه بإمكانهم تجزأة المادة شيئا فشيئا )).

ثم جاء بعدهم كلاوديوس بطليموس في القرن الثاني بعد الميلاد ، فوضع كتابه في الفلك (( المجسطي ... إنجيل الفلك على مدى قرون عديدة )) مبنيأ على فكرة مركزية الأرض والكرات البلورية الثمانية ، وتبنت ذلك الكنيسة الكاثوليكية ، وجعلت مركزية الأرض من أسس معتقداتها ، ملقيه بذلك سحابة ثقيلة بظلها المظلم على القارة الاوروبية لقرون عديدة.

الحقبة التي سبقت عصر النهضة (( القرون المظلمة )) :

(( بهر الباحثين من سمات القوانين التي تحكم المادة ، مابها من صرامة ودقة وإحكام ، فحاولو إخضاع شلوك البشر لمثل هذي الصرامة والاحكام ، فكان نصيبهم من ذلك مزيجا من النجاح والاخفاق ))

القرون الوسطى (( أو القرون المظلمة )) هى الفترة المؤرخة من نهاية الامبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي وحتى ظهور الدول الملكية في نهاية القرن الخامس العشر وهى فترة طويلة تمتد على مدى 10 قرون وقد تزامنت مع ظهور الاسلام وعزته وظهور اكبر وأقوى الدول على وجه الارض انذاك (( الدولة الاموية والدولة العباسية وغيرها )).

يقول فان روتردام ارازمص وهو من رجال النزعة الانسانية في القرن الخامس عشر :(( إنني لا أستيطع أن أكف نفسي عن القول أن القديس سقراط يصلي لي ، إن فلسفتهم ( يعني اليونانيين ) تكمن في الوصف وليس المحاجة . إنها حياة وليست مجادلة ، إلهام وليست سوطا ، تحول وليست تعليلا ))

قام الفكر الغربي منذ نشأة المسيحية على دعامتين هما : 1- الديانة المسيحية 2- والفلسفة اليونانية ، وكان هذان المصدران النبع الذي يستقي منه المفكرون ورجال الكنيسة آرأهم ويبنون عليها مواقفهم ، بل كانا الزاد الذي صاغ عقولهم وأفكارهم ، أثر فيها وتأثر بها.

العهد الجديد بأناجيله الاربعة لم يأت بشيء عن الكون وطبيعته وكيفية تكوينه ، ولم يأت في العهد القديم سوى ما جاء بالإصحاح الأول والثاني والثالث من سفر التكوين ، لذلك تبنت الكنيسة ما ذهب إليه آأفلاطون وأرسطو وبطليموس من مركزية الأرض للكون وثباتها ، وأن الأفلاك تدور حولها ، وصار هذا التصور جزما أساسيا من معتقد الكنيسة الكاثوليكية ، الديانة المسيحية ... والفلسفة اليونانية .. الدعامتين اللتين يستند إليهما العقل والوجدان الديني

صار رجال الكنيسة يقودون حملة تدعو إلى تصغير العقل والفزع من الركون إليه أو الرجوع له في أي أمر يتعلق بموروث ، يقول أحد رجال الكنيسة في مدينة ستراتسبورغ في القرن الرابع عشر ويدعى جون تاولوا (( ياأ بنائي إنكم لا تحتاجون إلى العلم العظيم ولكن ارجعوا إلى المبدأ الذي بداخلكم ، وتعلموا كيف تعرفون أنفسكم في روحها وطبيعتها ، ولا تغوصوا في الأشياء التي هي من أسرار الإله ، لقد قال المسيح أنه ليس لك أن تسال عن الأوقات والفصول التي وضع فيها الإله قدرته . إن روح القدس لم يعلمنا الأشياء لكي نعرف فيما إذا كان الحصاد أو القطاف ، أو إذا كان الخبز سيكون غاليا أو رخيصا . إن روح القدس يعلمنا الأشياء التي نحتاجها لحياة طيبة ، والحقيقة عن الله ومكر الارواح الشريرة)).

إذلال الانسان وتجريده من إنسانيته التي لاتمارس إذا أنكر عليه أن يكون حرا ومؤهلا لتلك الحرية ... نبذ المعرفة وتأصيل الجهل ... إسقاط العقل ونفيه ... هذي خلاصة القرون المظلمة.


عصر النهضة الاوروبية :




في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي انتقل مشعل الحضارة من يد العرب المسلمين إلى يد الأوروبيين ، وذلك بعد أن تضاءلت المساهمات العلمية للعرب والمسلمين ، وضعف دورهم الحضاري واستبد ملوكهم وسلا‏طينهم بالحكم على ضعفهم وخورهم ، وبدأ زحف الخراب على العمران ، ودخل العرب والمسلمون في نفق مظلم لا زالوا فيه حتى هذا اليوم.

فيما يلي سنعرض بإيجاز لأهم المنجزات العلمية التي أدت إلى حصول تحول جديد ، كان بمثابة التوابث التاريخية لحصول تحول نوعي في التعامل مع السماء وأجرامها ، وكما سنرى في ثنايا الموضوع فإن التحولات العظيمة التي حصلت ارتكزت على عاملين أساسيين :

الأول: هو اعتماد التجريب والأرصاد الفعلية دليلأ لقيادة النظرية ، وهذه هي المنهجية العلمية الصحيحة التي كانت المرحلة العربية الإسلا‏مية قد أسست لها وركزت عليها ، وقد أيدها العديد من العلماء الاوروبيين أشهرهم فرانسيس بيكون وكتابه (( المنطق الجديد )) وهو بالنسبة لي وبالنسبة للكثير من المؤلفيين الذين قرأت لهم يعتبر منظر العمل التجريبي والمشاهدة ، يقول فرانسيس بيكون في وصفه للفلسفة اليونانية (( إنها فلسفة مليئة بالثرثرة خالية من الإبداع ، غنية بالكلمات عارية عن العمل ، مفرطة في التنظير خالية من التجربة )) وفي كتابه (اطلالتنا الجديدة) يتخيل بيكون قيام رحالة من بني قومه إلى جزيرة مهتمة بالبحث ، حيث أخذهم حاكم الجزيرة إلى مختبر للابحاث وخاطبهم بقوله : (( ياأ بنائي لتحل بركة الله عليكم ، إني سأعطيكم أثمن جوهرة أمتلكها لأنني سأهبكم الصنعة التي قامت عليها مملكة سليمان ، إن غاية مختبرنا هو معرفة الأسباب والحركات الخفية في الأشياء ، وتوسيع حدود المملكة الإنسانية ليصل الإنسان إلى جميع المعارف الممكنة عن الكون الذي يعيش فيه )) كلام رائع وجميل ..

والثاني : هو مراجعة النظرية البطليمية(( مركزية الارض والكرات البلورية التي قالها الاسكندري كلاوديوس بطليموس )) والنقد الذي وجهه الفلكيون العرب والمسلمون ، ومن أهمها نقد ابن الشاطر الدمشقي ، وكان الفلكيون العرب قد قاموا بإعداد الكثير من التقاويم الفلكية القائمة على حساب الأرصاد الذي يختلف عن الحساب النظري ، فعندما بدأ الفلكيون الأوروبيون أمثال كوبرنيكوس وتايكو براهي ويوهان كبلر وغاليليو غاليلي في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلا‏ديين في سبر السماء كانت بين أيديهم كثير من أعمال وأرصاد وتقاويم الفلكيين العرب والمسلمين، ولا بد أنهم اعتمدوها دليلا لتطوير أعمالهم.

وليس هذا فقط بل حتى المجتمع الديني الاوروبي أصابه التصدع بظهور المذهب البروتستانتي على يد مارتن لوثر وماأسفر عنه من تغيير في بعض المعتقدات التي تتبناها الكنيسة الكاثوليكية.

إعلان كوبرنيكوس (( البداية الحقيقية )) :


البداية الفعلية للعصر الجديد والتغير الجديد بدأت على يد أحد رجال الكنيسة إضافة الى انه فيلسوف واقتصادي وفلكي ... نيكولاس كوبرنيكوس ، تبنى كوبرنيكوس النموذج الكوكبي الذي يعتمد مركزية الشمس Heliocentric Model ، والذي كان إبن الشاطر الدمشقي قد توصل إليه قبل ذلك ، إستطاع كوبرنيكوس أن يوصف من خلال هذا النموذج الجديد الحركات الفلكية من الناحية المفاهيمية الصرفة وليس من الناحية الرصدية الدقيقة (( لقد أصبح هناك إختلاف بين الرصد والحساب )) ، وبذلك لم يلقى هذا النموذج القبول من الاوساط العلمية ، ورغم ذلك اعجب أحد الفلكيين العظماء بذلك النموذج وقضى20 سنة من الجهد والمثابرة للتحقق من ذلك .... إنه تايكو براهي.

تايكو براهي (( لازال الاختلاف موجود )) :



(( مجهود عملاق أستغرق أكثر من عشرين عاما ، لقد أنفق خلاله ملك الدانمارك فريدريك الثاني طنا من الذهب على تمويل الابحاث )) هذا مايقوله تايكو براهي الفلكي الدانماركي ، إنصبت جهوده على رصد حركات الكواكب السيارة والشمس والقمر رصدا دقيقا مستعينا بما توفر لديه من أدوات الرصد التي أبدعها أو طورها العرب والمسلمين ومستعينا بأدق الارصاد العربية التي حفظتها الازياج التي كانت بين يديه ، للمقارنة وكدليل لاعمال الرصد.

لم يكتفي هذا العالم الفذ من التدوين فقط بل كان يغتنم الفرص الفلكية كلما لاحت له ، في عام 1577م تبين لتايكوبراهي فكرة جديدة وإثبات ربما يكون جدير بالاهتمام وللنظر لفكرة كوبرنيكوس ... لقد ظهر مذنب ساطع وتبين له أن هذا المذنب يقترب شيئا فشيئا ثم بعد ذلك يبتعد في السماء ويقول (( بتاكيد لابد أن هذا المذنب قد مر عبر العديد من الكرات البلورية للكواكب ولم تتصدع او تتكسر تلك البلورات المزعومة )).

ومع إدراك تايكو براهي لمزايا نموذج كوبرنيكوس إلا أنه لم يقتنع بصحته ، وسبب ذلك ظهور تناقض واضح بين ما يتوقعه نموذج كوبرنيكوس وماتم رصده فعلا من مواقع الكواكب السيارة والشمس والقمر خلال عشرين عاما من العمل الدؤوب ، لذلك اعتقد تايكو براهي أن جميع الكواكب عدا الأرض تدور حول الشمس فيما تدور هذه الشمس بكواكبها جميعأ حول الأرض ، وبذلك كان تايكو براهي آخر العمالقة الذين آمنوا بمركزية الأرض في الكون.

يوهانس كيبلر (( فجر الوفاق المنتظر )) :



لقد كان مساعدا لتايكوبراهي في مرصده ، ورث جميع الانجازات الرصدية عن تايكوبراهي ، لازال نموذج كوبرنيكوس يبحث عن الوفاق المنتظر (( التوافق بين الرصد والحساب )) ، لقد بدأ العالم الالماني يوهانس كيبلر بالاعتكاف لدراسة مسار أحد أقرب الكواكب لدينا ، إنه الكوكب الاحمر ... كوكب المريخ ، لقد حاول كيبلر وضع نموذج هندسي لحركة ذلك الكوكب ، وأكتشف شيئا جديدا وهو المسار الاهليجي (( البيضاوي )) يحقق النتائج الرصدية بدقة أكبر بحيث تقع الشمس في إحدى بؤرتي الاهليج ، وعمم تلك النتيجة الجديدة على جميع مسارات الكواكب ومنها كوكبنا ، فاتضحت الصورة الجديدة والفجر الجديد ... ووضع قوانينه الثلاثة (( من هنا بدأت القوانين المبنية على التجربة والمشاهدة والحساب )) :

1- تدور الكواكب حول الشمس في مدارات إهليجية تقع الشمس في إحدى بؤرتي الاهليج.
2- الخط الواصل بين الكوكب والشمس يمسح مساحات متساوية في اومنة متساوية.
3- مربع زمن دورة الكوكب حول الشمس يتناسب تناسب طردي مع مكعب نصف المحور الكبير.

من خلال هذي القوانين الثلاثة نستطيع أن نوصف الحركات الفلكية (( حركة الشمس ، حركة الارض ، حركات الكواكب )) بشكل جديد أصبحت فيه الحسابات متوافقة مع الارصاد الفلكية بدقة عالية ، ولهذي القوانين فائدة عظيمة في الحسابات الفلكية وكانت مفتاح التقدم الذي شهده علم الفلك والميكانيكا والحركة والفيزياء الكلاسيكية عموما وقصة التوحيد الاولى .... وهذا الاكتشاف الجديد مهد السبيل لرائد التوحيد الاول لكي يصل الى ماوصل إليه.


غاليليو غاليلي (( التوابع الجديدة والقوة الغريبة )) :


يعتبر غاليليو مؤسس الفيزياء الكلاسيكية وأول من صنع مقرابا (( تلسكوب )) صممه لرؤية الاجرام السماوية ، تقول المستشرقة الالمانية زيغريد هونكة في كتابها (( شمس الله تسطع على الغرب )) تقول : (( من ينظر الى غاليليو وهو يبحر بمنظاره في السماء الزرقاء ويكتشف المشتري وتوابعه الاربعة سوف ينظر الى ظل إبن الهيثم يجثم خلفه)) ، لقد إكتشف غاليليو أربع توابع ليس للارض ولاتدور حولها ولكنا للكوكب العملاق المشتري وتدور حول المشتري وكانت هذي النتيجة الجديدة بمثابة الزلزال بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية.

وكان غاليليو صديقا للقسيس بربريني الذي كان كردينالا في فينيسيا (( البندقية )) ، يعرض عليه أبحاثه وتجاربه ويلقى منه التشجيع والتأييد ، ومن سوء طالع غاليليو أن يذيع نتائج كشوفه والمسيحيون الكاثوليك في صراع مرير مع المذهب البروتوستانتي الجديد ، وفي حروب مع المسلمين ((العثمانيين)) يساق لها الألوف للاقتتال باسم الدين ، فإذا جاء صوت أوبحث يظهر الخطأ في بعض ما تقرره أوتبشر به الكنيسة فينبغي أن يسكت إلى الأبد ، لذلك قدم غاليليو إلى المحاكمة وهدد بالموت ، أو ينكر ما وصل إليه بالمشاهدة وليس بالاستنتاج ، وكان الذى قاده وقدمه إلى المحكمة واشتط في معاملته هو صديقه القديم بربريني الذي اختير في ذلك الوقت ليكون بابا في روما . وصار بربريني البابا غير بربريني الكاردينال ، ولكن غاليليو تراجع وقال المقولة الشهيرة (( ولكنها تدور )) ، لقد وصف غاليليو بالهرطقة والالحاد وتجرع سم الذل والاهانة من الكنيسة.

والكثيرون يعرفونه وقصته مع برج بيزا المائل وحكاية القوة الغريبة ، لم تعد الارض كما كان مسلما به على مدى قرون عديدة أنها مركز الكون ولم تعد قوة الجاذبية قوة حتمية بسبب مركزية الارض للكون قما قال أرسطو ، ماهى تلك القوة التي تمسك بنا ؟؟؟ ، وماهى تلك القوة الغربية بعد ان تحولت بوصلة المركزية الى الشمس ؟؟

الاجابة على هذا السؤال تمت على يد العالم غاليليو ومن خلال العديد من التجارب على إسقاط الكرات المختلفة الكثافة (( معدنية وخشبية )) من أعلى برج بيزا امام الجمهور أو تركها تتدحرج من خلال الاسطح المائلة (( لكي يتحكم في زمن سقوطها )) ، لاحظ أن هذي الكرات المختلفة تتجه نحو الارض بتسارع ثابت مهما كانت كتلتها او كثافتها وقد قدره بـ 10 متر في الثانية لكل ثانية (( الرقم الذي نعرفه حاليا هو 9.8 متر/ث^2)) ، وأن الاعاقة التي تلاقيها الاجسام الخفيفة عند سقوطها نحو الارض هى بسبب مقاومة الهواء فتؤدي الى تباطئها ، واستنتج العادلات البسيطة التي نعرفها ودرسناها في المرحلة الابتدائية : (( السرعة = المسافة ÷ الزمن )) (( التسارع = السرعة ÷ الزمن )).


إسحق نيوتن (( أولى أشكال التوحيد في الطبيعة )) :


في هذا المناخ القلق الذي هدم كثيرا من الأسرار ، وحل موثقأ من القيود وجعل العقل منطلقا إلى كثير من كشوف تمكن الدارس من معرفة أفضل للكون والحياة ، وترسي دعائم جديدة من المعرفة تكون أكثر ثباتا وأبقى على البحث والمساءلة ، إسحق نيوتن عام 1642 م في مدينة ولز تورب في إنكلترا ونشأ في رعاية جدته لأمه ، لوفاة والده قبل مولده وزواج أمه برجل أخر ، وقد نشأ نشأة لا تحفل بالرعاية ، وفي السن الجامعي دخل جامعة كمبردج وأجيز منها عام 1665م ، وبعد تخرجه ، أظهر من النبوغ ما جعله في مقدمة الذين عرفهم الفكر البشري في تاريخه ، فقد وضع علم التفاضل والتكامل بعد سنتين من تخرجه ، ووضع بعد ذلك بفترة وجيزة قوانينه في الحركة وفي الجاذبية بين الكتل.

ومع ما أبانت بحوثه في الضوء عن طبيعة الضوء وتحلله ، وما لعلم التفاضل والتكامل من أثر حاسم في تقدم علوم الفيزياء والكيمياء والهندسة والاقتصاد وفي مجالات كثيرة ، فإن وضعه لقوانين الحركة وقانون الجاذبية عمل مثل نقلة كاملة في تاريخ الفكر البشري ، لقد أدهش الناس من هذه القوانين دقتها وصرامتها وشمولها ، وانطباقها على الأجسام المتحركة على الأرض ، والأجرام الواقعة في السماء ، فحكمها كأكبر الأجسام كالأجرام السماوية ، مثل حكمها لأصغرها.

أولى صور التوحيد بدأت على يد العالم الفذ إسحق نيوتن (( أبو الجاذبية )) وكلكم تعرفونه وبتاكيد سوف تتذكرون قصة التفاحة العجيبة ((تفاحة نيوتن)) ، وانا اعرفه ومنذ الصف الاول المتوسط ، عندما أتذكر ذلك الشخص تكون الفيزياء حاضرة والصداع حاضر لامفارق ، اسحق نيوتن أو السير اسحق نيوتن كنت أظن انه عالم عربي بمجرد قراءتي لاسمه الاول في مراحل المتوسط ولكنني عرفت انه ليس عربي (( انتهى عصر العرب )) وهو عالم انكليزي ، استطاع اسحق نيوتن من خلال اربع قوانين (( قوانين الحركة الثلاثة وقانون الجذب العام )) ان يبحر بمسباره الخاص الى القمر والمجموعة الشمسية وربما الكون باكمله ... استطاع اسحق نيوتن ان يوحد بين جذب الارض لنا وجذب الارض للقمر وجذب الشمس للكواكب ولأبعد كوكب في العائلة الشمسية ... واصبحت قوانينه الاربعة هي التي تحكم الترابط بين أجراء الكون ربطا محكما وعليها يعتمد بنيان السماء وبها رفعت السماوات بغير عمد ... من هنا بدأت القصة العجيبة .... قصة التوحيد ... نص قوانين الحركة :

1- يبقى الجسم في حالة سكون او حركة بسرعة ثابته وفي خط مستقيم مالم تؤثر عليه قوة خارجية تغير سرعته وتغير اتجاهه.
2- معدل التغير في تسارع جسم او اتجاهه يتناسب تناسب طردي القوة الؤثرة ويكون في اتجاه خط عملها.
3- لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له قي الاتجاه.

وقد قام نيوتن بتعميم قوة الجاذية الأرضية وجعلها قوة كونية تتمتع بها جميع الأجسام في الكون وليس الأرض فحسب . وقد تمكن من اكتشاف هذا التعميم من خلال دراسته لقوانين كيبلر الوضعية التي تصف حركة الكواكب السيارة فلولا أن هنالك قوة بين الشمس والكواكب لما دارت الكواكب حول الشمس. لذلك قدم نيوتن تعريفا للقوة الجاذبية بين الأجسام في الكون بقانونه في الجذب العام الذي ينص على :

(( بين كل جسمين قوة تجاذب تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسيا مع مربع المسافة بينهما )).

لم يقل لنا نيوتن في هذا القانون من أين تنشأ هذه القوة وما سرها ، لكنه قرر كيف تتصرف القوة كميا في الطبيعة . ومن المعروف أن هذه القوة العجيبة هي التي تحكم الكون إجمالأ على النطاق الواسع ، مداها لا نهائي ولا يحدها شيء وليس بالإمكان إلغاؤها إلا موضعيا . هذه القوة هي التي تحرك الكواكب في مداراتها وهي التي تنشئ النجوم من السحابات الغازية الخفيفة ثم توقدها من بواطنها إذ توفر الضغط اللازم لتوقد الاندماج الهيدروجيني ، وهي التي تنشئ المجرات من السدم الكونية العملاقة . وهذه القوة هي التي ستحدد مصير الكون في النهاية.

بقيت مفاهيم نيوتن سائدة لاكثر من مائتي سنة حتى جاءت النظرية النسبية لآينشتين في بداية القرن العشرين بمفاهيم بديلة أكثر دقة ، لقد مكفت قوانين نيوتن في الحركة والجاذبية الكونية الفلكيين من التعامل مع المنظومة الشمسية كمنظومة فيزيائية ذات أسس وأصول حركية معروفة وبالتالي قابلة للحساب الدقيق مما مكنهم من اكتشاف كوكبين هما أورانوس ونبتون عن طريق التوقع الذي يفضي به الحساب.

إنتهت المقالة الثانية

SHiNiNg4EvEr

القالة الثالثة (( قصة التوحيد الثانية ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق