التوحيد تلك الجملة البسيطة التي شغلت فكر الكثير من ربابنة العلم على مر العصور وجعلت عنفوان العقل البشري يصل الى مرحلة متقدمة أشبه بالجنون الوردي العاقل ... قد يتساءل القرائي لهذا المقال ماذا أقصد بكلمة توحيد هنا ...
المقصود هو توحيد قوى الكون الاربعة تحت مظلة معادلة واحدة ((نظرية لكل شيء كهذا يسميها الغرب Unification )) ، تلك القوى التي تصف وتفسر كل العوالم في هذا الكون العجيب بداية بأبعد الاماكن واكبر الارقام الفلكية (( المقاسة بالسنين الضوئية )) التي تصف وتفسر المجرة والنجوم والسدم ونهاية بأصغر ماعرفه العقل البشري ... إنها الذرة ومكوناتها المتناهية الصغر ...(( والتي تقاس بالميكرو والنانو وأقل من ذلك بكثير )).
ونظرا لان الموضوع طويل ومتشعب وربما ممل إذا كنت محبطا ... ولكنني متفائل إذا قلت أنه موضوع ممتع وشيق لغاية ، فقد قررت أن اجزي تلك القصة العجيبة الى خمس مقالات من كتابتي وجهدي وبتاكيد هى محصلة قراءة وعمل دؤوب للعديد من الكتب المتخصصة في تاريخ العلم وكتب متخصصة في الفلك والفيزياء من مكتبتي الخاصة (( بيت بلا مكتبة كالجسد بلا روح )).
في البداية دعونا نتحدث قليلا ونسترجع بعضا من محصلة الفكر الانساني والعقل البشري عبر تاريخه القديم ونهاية بتاريخه الحديث وقد اكتشف العلم الحديث العمر الموغل لهذا الكون وللانسان ، والتاريخ المكتوب للانسان ليس إلا فترة حديثة جدا من تاريخ وجوده ، ومن يقرأ تاريخ العقل البشري سوف يجد ذلك العنفوان الباحث عن الحقيقة وراء المجهول للحصول على المعقول ، من ينظر الى تاريخ العقل البشري سوف يجد إنجازات علمية رائدة كحلقات السلسة المتعلقة بإنجازات وجهود الحلقات التي قبلها رغم إختلاف الاديان والمذاهب والاعراق والاجناس ... دعونا نتحدث قليلا عن تلك الحضارات القديمة التي كان لها الاثر الكبير في تشكل تلك القصة العجيبة.
الحضارات القديمة (( ماقبل التاريخ وحتى القرن الخامس عشر الميلادي )):
(( الاساطير والخرافات بالنسبة للانسان طريق الى الحقيقة والمعقول )) من ينظر الى هذي المقولة سوف يستغرب ... من ينظر الى علم أحكام النجوم (( التنجيم )) ... (( كذب المنجمون ولو صدقوا )) ... وعلم الفلك الرصدي سوف يجد ان الاول سبب حقيقي في تطور الثاني على الرغم من الاختلاف الكبير بين الخرافة والحقيقة ... من ينظر الى تصور الامم القديمة للارض والسماء سوف يجد الخرافة ممتزجة بشيء من التصورات المعقولة
من ينظر الى الهنود وتصورهم للارض على انها قوقعة كبيرة فوق ظهر سلحفاة عظيمة يحملها أربع فيلة ... سوف يموت من الضحك على هذا التصور الفظيع ... ولكن الحقيقة مختلفة ... هذا التصور البسيط والبدائي ثمين ومثمر فلارض وصفت على شكل قوقعة (( كروية ومحاطة بالماء على شاطيء عجيب وضحل )) ووضعت على ظهر سلحفاة (( ساكنة وثابتة كثبوت السلحفاة وطافية على ذلك الشاطيء )) ويحملها اربعة فيلة (( لاأعلم مالمقصود هنا لنقول خرافة )) ... تصورات بسيطة ومثمرة .
وكان الروس يعتقدون ان الارض عبارة عن قرص يطفو على الماء تحمله ثلالث حيتان عظيمة (( وصف خرافي خالي من الحقائق ))
اعتقدت بعض المجتمعات في أفريقيا أن الشمس تسقط كل ليلة عند الافق الغربي إلى العالم الاسفل ، فتدفعها الفيلة للأعلى ثانية لتضيء الارض من جديد، وتتابع هذه الحركة يوميا ((مثل الوصف والتصور السابق)).
وكان الهنود الحمر يعتقدون ان اميراتهم الصغيرات يجب ان يسهرن على ضوء المشاعل, ليأتي طائر الكونكورد (رسول السماء) ليأخذ المشاعل ويضيء الشمس من جديد وهكذا ((ماأحلى الرومانسية)).
أيضا من الشعوب التي أهتمت بالتنجيم هم الصينيون القدماء وذلك لعلاقته بالدين لديهم ... مزيج بين الروحانية والعقلانية ، ولدى الصينيون تراث ضخم وأرصاد عجيبة للعديد من الاحداث الفلكية كالكسوفات الشمسية والخسوفات القمرية وظهور المذنبات كمذنب هالي حيث أنهم رصوا ذلك المذنب 29 مرة على مدى أكثر من 2000 سنة ولم يفوتوا فرصة واحدة لتدوين تلك الاحداث الرائعة والعجيبة (( هكذا أصبح للتنجيم دور في تطور علم الفلك الرصدي )) .
الاغريق وماأدراك ماالاغريق تلاميذ بابل ... رواد الفلسفة وعشاق الحكمة ... واساتذة العرب والمسلمين ... ولهم أيضا اسهامات كبيرة في الفلك والرياضيات والفيزياء والكثيرون يعرفون الفلاسفة سقراط وافلاطون (( المعلم الاول )) وارسطو طاليس (( الفيلسوف الكبير ومربي ألكسندر الاكبر وقد تاثر بفلسفته العديد من روادنا الافاضل وصاحب فكرة ان المادة تتألف من الماء والهواء والتربة والنار )) والفلكي كلاوديوس بطليموس الذي أبحر بعلم الفلك الى اوج عزته وذروته لدى الاغريق واول من قال بكروية الارض ومركزيتها للكون وكذلك الرياضي ارخميدس (( يوريكا ... يوريكا ... وجدتها ... وجدتها )) بتاكيد سوف تتذكرون قصته العجيبة مع الذهب المغشوش ، وكذلك الفيلسوف ديموقريطيوس القائل بأن المادة تتالف من ذرات صغيرة لاتتجزأ ( الالتوم).
(( لقد أصبح إرث الاغريق العلمي والفلسفي بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية في اروربا كالثوابت العلمية الغير قابلة للنقاش او التغيير !! ، وقد كان ذلك السبب الرئيسي للتخلف والجهل الذي عاشته اوروبا في القرون الوسطى وكانت البداية لقرون مظلمة)).
العرب والمسلمون رواد التجربة والمعمل ... لم يعد العرب كما كانوا عليه وقت الجاهلية وقبل الاسلام ... من ينظر الى العرب قبل الاسلام سوف يشاهد وضعنا الحالي ، تبعية وذل وصعف ومهانة ، فهولاء الغساسة (( قبيلة عربية معروفة حكمت جنوب سوريا)) تابعين للدولة الرومانية ولخدمة الدولة الرومانية مقابل الحماية ، والمناذرة (( قبيلة عربية معروفة ومشهورة حكمت العراق والبحرين )) تابعة للفرس وكسرى ، لقد أصبح للعرب والمسلمين شان أخر بعد ظهور الديانة الجديدة والنبي الاخير وسيد الرسل محمد (صلى الله عليه وسلم ) لقد أصبح للمدنية معنى حقيقي حيث لافرق بين عربي واعجمي إلا بالتقوى ، والدعوة الى الصفاء والنقاء والبعد عن الافتراس والاستعلاء ، ولافرق يذكر بين ميلاد الولد او ميلاد الفتاة (( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ - بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ )) (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ )) ((وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) ، وأصبح للعلم شان أخر (( اطلبو العلم ولو فى الصين )) (( اطلبو العلم من المهد الى اللحد )) ، ولدينا زمرة لايستهان بها أبدا بداية بالكندي (( اول فيلسوف في الاسلام )) وابن سينا (( المعلم الثاني والطبيب المشهور والفيلسوف )) والرازي أعظم طبيب واعظم كيميائي ومؤسس الطب الاكلينيكي (( لقد كان الطب معدوما فاوجده أبقراط وميتا فأحياه جالينوس ومشتتا فجمعه الرازي وناقصا فأكمله إبن سيناء )).
وابن الهيثم (( صاحب الطفرة الكبرى بإعتباره مؤسس علم البصريات والرياضي والفلكي المتبحر )) تقول المستشرقة الالمانية زيغريد هونكه في كتابها (( شمس الله تسطع على الغرب )) : (( لقد علّم إقليدس وبطليموس بأن العين المجردة ترسل أشعةً إلى الأشياء التي تريد رؤيتها فجاء ابن الهيثم وأعلن أن هذا الادعاء خاطئ لأنه ليس هناك أشعةً تنطلق من العين ليتحقق النظر بل إن شكل الأشياء المرئية هي التي تعكس الأشعة على العين فتبصرها هذه بواسطة عدستها )) .... لله درك ياعبقري ومعلم العباقرة.
والبتاني (( كل الغرب يعرفونه بدقة أرصاده الفلكية )) والبيروني (( العالم الموسوعي والعبقري في الفلك والرياضيات والفيزياء والتاريخ والجيولوجيا واول من قال أن بادية العرب (جزيرة العرب) كانت في الازمنة القديمة مغمورة بالماء )) والكثير الكثير من الاسهامات العربية والاعجمية وبغض النظر على دياناتهم ومذاهبهم وكل ذلك تحت مظلة ورحمة وسماحة ونعمة الاسلام خلال القرون الوسطى وعلى مدى 8 قرون (( هذا هو المعنى الحقيقي للمدنية )).
بعد ذلك أنتهت تلك الحقبة الرائعة للعرب والمسلمين بإنتقال مشعل الحضارة الى يد الاوروبيين وقلت الاسهامات العربية والاسلامية لخدمة الانسانية وبدأ الخراب يغلب على العمران وقل دعم الملوك والسلاطين للعلماء وبدأت الحقبة والنفق المظلم الذي لم ينتهي حتى وقتنا الحاضر .... (( اللهم سدد خطانا لعزة الاسلام ونصرة الحق وخدمة الانسانية )). (( سوف يكون هناك موضوع شامل عن روادنا الافاضل في المستقبل إن شاء الله )).
هذا موجز الموجز لتاريخ الحضارات القديمة والمقالة الثانية سوف تكون بعنوان (( عصر جديد وأفاق جديدة )) مزيج من النجاح والاخفاق في بدايتها وثورة علمية تتغلب على ثوابت الكنيسة لتنتهي بأفاق جديدة وعلوم جديدة ... حقبة تمتلك رؤية البابليون وفلسفة الاغريق وتجربة المسلمين ... تصور جديد روث عن المسلمين مكانة التجربة لقيادة نظرية مرجورة لدحض نظرية مغايرة ... انه عصر النهضة الاوروبية بعد نهاية القرون الوسطى (( القرون المظلمة بالنسبة لاوروبا وبتاكيد كل الاوروبيين يتهربون من الحديث عنها )) والحديث سوف يكون مفصل لقرب الزمان وأنكشاف القوة الكونية الاولى وبداية قصة التوحيد الاولى.
SHiNiNg4EvEr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق